الدراسات


العراق بعد ثلاث سنوات الواقع و التوقعات

                                                   ا .م .د.عزيز جبر شيال

    مما لا ريب فيه أن احتلال العراق حدث لعدة اسباب داخلية وخارجية إذ ساعدت الفردية والدكتاتورية على تهيئة الأرضية المناسبة لبدء عملية الأحتلال فقد كــانت الدولة آيلة للسقوط مما سهل إسقاطها ، وكانت إحداث الــحادي عــشر مـن أيلول 2001 وما تبعها من تداعيات مقدمة لوضع الأستراتيجة الأمريكية موضع التنفيذ والمتمثلة بأقامة الشرق الأوسط الكبير فكانت البداية في غزوأفغانستان والقيام بعدها بحملة أعلامية ونفسية واسـعة هيـأت العالم للقبول بفـكرة غزو أي بلد أخر ، وقـد أختير العراق للأسباب الآتية :
1-  الدولة العراقية كانت دولة آيلة للسقوط لا محالة فقد استشرى الفساد وعمت الفوضى في الإدارة والتخطيط وانهارت البنية التحتية وضعف ولاء المواطن لنظام الحكم ، وعجزت الدولة عن معالجة مشاكل الحصار ولـم تفِ بأي وعد للإصلاح ، لا بـل أكثر من ذلك ففـي الـوقت الـذي كان يئن الشعب من وطأة الحـصار وإفرازاته كـانت الـدولـة تنفق الأمـوال بلا أدنى مسؤولية على بناء القـصور والجـوامع واقتطاع جـزء من ثروة الشـعب النفطية وإهدائها إلى دول قدمت المساعدات الأمنية واللوجستية التي ساهمت في احتلال العراق .
2-  الدبلوماسية الـفاشـلة في أدارة موضوع نزع أسلـحة الدمـار الشـامل والتي اعتمدت على الشـد والإرخاء ممـا أدى إلى تسهيل مهمة الولايات المتحدة الأمريكية في أقـناع العـالم بأن العراق على عتبة امتلاك الأسلحة النووية وأنه أستأنف برنامج التسـلح الكيمياوي والبايولوجي الذي كان قد تخلى عنه بعد الموافقة على القرار الأممي 687 في نيسان 1991.
3-  خنق الحريات واعتماد أقسى أنواع البطش بالمعارضين وأحياناً بـأصـدقـاء النظام لـمجرد الوقوع في أخـطاء بسيطة ممـا أدى إلى اتـساع قـاعدة السخط الشعبي وأنتظار الخلاص حتى لو كان البديل أحتلالاً .
4-  توقف عملية التنمية واختصارها على مشاريع وهمية للتصنيع العسكري مما أدى إلى حرمان المواطن من الحصول على الخدمات الضرورية لإدامة الحياة وتطورها . إذ لا تكاد الأجور والمرتبات تكفي لسداد نفقات التنقل من السكن إلى محل العمل مما مهد لعمليات رشوة وسرقة للمال العام في وضح النهــار.
5-  ضغوط المحافظين الجـدد في الإدارة الأمـريكـية ورغبتهم في إظهار القدرة على تنفيذ برامجهم المتمثلة في الاستحواذ على مناطق أنتاج النفط والتحكم بها وإقامة مشروع الشرق الأوسط الكبير .
6-  هيمنة القـطب الواحـد ( الــولايــات المتحدة ) على العلاقات الدولية والقائمة على أساس من لم يكن معي فهو ضدي ، ولم يع النظام هــذه الحقيـقة وإنما اعتمــد في سياســته الخــارجــة عـلى أطــراف لــم تـعد مستقلة في قراراتها السياسية مثل روسيا والصين وفرنسا وألمانيا .

  وهناك أسباب أخرى لا مجال لذكرها ، أمـــا وقد وصل الاحتلال بالسهولة التي رأيناها والتي لم تؤشر نجاحاً سوقياً أو تعبوياً للأمريــكان بقدر ما تؤشر الفشل السوقي والتعبوي للقيادة العسكرية والسياســية العــراقية في أدارة العملــيات الدفاعية. أن السنوات الثلاث التي مرت أكدت الأمور التالية :
1-  عدم القدرة في بناء سلطة سياسية متوافقة على قاعدة وطنية .
2-  عدم القدرة والفشل في وضع خطة أمنية تحمي المواطن من عبث العابثين.
3-  أتساع قاعدة العمليات الإرهابية ونجاحها في تحويل الإرهاب إلى نوع من الحرب الطائفية .
4-  تردي الخدمات وهي السيئة أصلاً إلى حالة أسوأ.
5-  عودة البطش وإرهاب الدولة .
6-  أكتضاض السجون والمعتقلات بالمواطنين إذ لا نغالي  أذا ما قلنا ان عـدد المعتقلين بلـغ أرقامــاً كبيرة لا يمــكن حصرهــا بسبب تعـــدد الجـــهات التي تستــطيع اعتقال المواطن بسبب أو بدون سبب إذ لم تخل وحدة عسكرية أو بوليسية أو قاعدة أمريكية أو بريطانية من مراكز اعتقال للــمواطنين الذين يثبت بعد أيام أو أشهر أنهم أبرياء .
7-  ازدياد حالات الاختفاء ألقسري .
8-  ازدياد حــالات اغتـيال النخب الاجتماعية والسياسية وتصاعدها إلى أرقام كبيرة في السنة الثالثة .
9-  فــشل النخب السياســية في المشاركة في العملية السياسية في أعطاء المثل الأعلى في التضحية بالمصالح الحزبية والطائفية الضيقة لصالح الشعب .
10- الفشل في جعل الديمقراطية مرتبطة بالتحرير فلا ديمقراطية مع الاحتلال بل إن هناك تداخــلاً و ارتباطـــا بين مهــمة الانجاز الديمقراطي ومهمة الدفاع عن الاستقلال الوطني وتنمية الإدارة الوطنية والعدالة الاجتماعية .
11- ازدياد عدد المليشيات واعتمادها كوسيلة ضغط وابتزاز وإرهاب من قبل قوى محلية و خارجية .
12- صعود التيار السياسي الديني وقدرته على الحصــول على أغـلبية برلمانية كبيرة وتراجع التيارالليبرالي وفقدانه لمواقع مهمة في بغداد والمحافظات في الانتخابات التي جرت في   15/ كانون الأول/2005 .
  ومن كل ما تقدم هل العراقيون إمام اختيار بين دولة ديمقراطــية عـلمانية أو دولة أسلامية حديثة ومتطورة ؟؟
   أن الجواب عن هذا السوأل صعـب جداً إذ أن العملـية السياسـية كـما أوضـحنا سابقاً أفرزت فوز الـتيار السـياسي الإسلامي بأغلبية لا يستطيع التيار الليبرالي تجاوزها وقد أوضحت الشهور الأربعة المنصرمة أن هذا التيار غير قـادر عـلى تقديم مشروع وطني مشترك يحل الأزمات المتفاقمة وبدلاً من ذلك أتيح المجال لأعــداء العــراق أن يوقــعوا ألأذى بـــالشــعب الــعراقي من خلال محاولة أنزال الطــائفــية من برج النخب الســياســية إلى الــقاعدة الاجتماعية العريضة عبر الاعتداء عــلى أمــاكن العــبادة المقدسة وأضرحة الأئمة الأطهار عليهم السلام والأولياء والصـالحين رضي الله عنهم والكنائس واغتيال الناس على الهوية والتهجير من المـدن واغتيال الكـفاءات الوطنية وإجبار العديد منهم على ترك الــوطــن في وقت الــحاجـة إلى كفاءتهم وبدلاً من إن تكون هذه الأعمال عوامل تــوحيد للــتيار الســياسي الـديني راحـت أطـرافـه تكيل التهم لبعضها في وسائل الإعلام المختلفة ، فإذا كـان صــحيحاً ما تدعيه الفئات المتصارعة على الحكم فأننا أمام كارثة وطنية لا تقل عن مصيبة الاحتلال وان كان الموضوع لا يتعدى الحصول على مكاسب سياسية فالمصيبة أعظم ، إذ أنها تدل على عدم قدرة هذا التــيار عـلى إدارة حـكم ديمـقراطـي تــعددي يقـوم على أساس القبول بما تفرزه صناديق الاقتراع ومبدأ المواطنة وإقامة دولة الحق والقانون مخلفين وراءهم العــنف وعــدم التسامـح وقـبول الأخر والرضا بقــاعـدة الاختلاف في الرأي وحرية التعبير والتمسك بحقوق الإنسان.
   أن المسالة الديمقراطية أصبحت عقيدة ساندة ليس هناك ما يمكن ان ينافسها وحتى القـوى الإسلامية الجـماهـيريـة مجـبرة اليوم إلى أعادة ترتيب أولوياتها على أساس الموقف من الديمقراطية ، كــما أن عليها أن تعي حقيقة أن التحـول الديمقراطي ليس مسألة فكرية أنما مسألة عمــلية بالــدرجــة الأولى أي هو فعل مرتبط بصحة الاستراتيجيات والتكتيكات التي يتبعــها الفــاعــلـون المــؤمنــون بالديمقراطية وبحجم التضحيات التي هم مستعدون لتــقديمها في سبـيل تحــقيق أهدافهم .
    وبقدر تعلق الأمر بالتوقعات أرى أنه بدون الضغط الخارجي من الصعب على القـوى المؤثرة في السلطة السياسية أن تجعل البرنامج الديمقراطي قابلاً للتنفيذ ويبدو أن هناك استعدادا لــدى الأطــراف المــختلفة على المـضي بــلعبـة الشــد والإرخاء التي جــلبت ألينا الاحتلال في الـسابق أن تكون هي المدخل لمرحلة استبداد ودكــتاتورية جــديدة تؤدي هذه المــرة إلى نزيف دم عراقي يصبح من الصعب إيقافه ، ولـكن في جميع الأحوال لانعدم الأمل باحتمالات مشرقة تؤدي في نهاية المطاف إلى أقامة دولة قوية عادلة تتجاوز عقد المــاضي وتطوي إلى الأبد صفحة الاستبداد بكل صوره وإشكاله .
       أما بالنسبة إلى المحتل فقد أثبتت السنـوات الثلاث الماضيات أنه غير قادر على وضـع أجوبة موضع التطبيق فلا مشروع الشرق الأوسط الكبير عاد ممكن ولا الديمقراطيــة أنتجت نـظاماً ديمقراطياً ولا حقوق الإنسان  حققت انتعاشا وبدأت التساؤلات تطرح في المجتمع الأمريكي والبريطاني وغيرهـا عـن جدوى المليارات التي صرفت والأرواح التي أزهقت ، وأتضـح ذلك من خـلال البرامـج الانتخابية فقـد فشلـت الحكـومة الأسبانية بإقناع مواطنيها بجدوى  تحالفها في غزوا لعراق فسقـطت في الانتخابات والآن ايطاليا وغداً ربـما بريـطانيا وأخيراً أمـريــكا إذ تشير التــقارير أن الانتـخابات المقـبلـة ستشهد انتـخاب رئيس يقـوم بسـحب القــوات الأمــريـكية من العـراق وعلى الأخـص بعـد أن زادت الخــسائر البشرية والمادية في صفوف القوات الأمريكية .
    أن أخـفاق الـولايات المتــحدة الأمريكـية في تحقيق ما كـانت تصبو إليه من احتلال الـعـراق يلـخــصه أنتـوني كـوردسـمـان الأســتاذ في مـركـز الـدراســـات الإستراتيجية والدولية في واشنطن بما يأتي :
1-  الإخفاق في تقـديم تقدير دقيق لطبيعة النزعة الوطنية العراقية والمستوى الحقيقي للاختلافات الثقافية وحجم مشكلات العراق .
2-  الإخفاق في التخطيط و التنفـيذ الفعال لعمليات واسعة للمعلومات يهدف إلى كـسب قـلـوب وعـقول العـراقيين وإقناعهم بـأن الـتحالف جـاءوا كمحررين سيغادرون وليس كمحتلين يبقون ويستغلون العراق ، وأن التحالف سيقدم  عوناً ودعماً لحكومةً ودولة مستقلة حقاً .
3-  الإخفاق في تـهيـئة الأرضـية الـمناسبة لقيام حكومة مدنية قوية قادرة على ضــبط الأمـن وتحقيق الأستـقراروهـما الشرطـان الـلازمـان لـعمليـة أعـادة الأعمار.
4-  الإخفاق في تقدير حـجم المقاومـة الوطـنية وتأثير دول الجـوار فيـها وعلى الأخص أصدقاء الولايات المتحدة .
5-  الإخفاق في تـحـجيم الإرهاب ومصـادر تمويله وأساليب الدعم اللوجستي التي تساعده على التوسع والانتشار .
6-  الإخفاق في حمايـة حـدود العـراق ومنع تسلل العناصر الإرهابية إلى داخله من خلال ارتكاب الخطأ الفادح في حل الجيش العراقي .
7-  الإخفاق في تقـديـم مـشاريع خـدمـية وتـوجـيه الـجزء الأكـبر مـن المعونـة الأمريكية إلى القضايا الأمنية التي تخص القوات الأمريكية فقط .
8-  اعتماد أسـالـيب إرهابية في الـتعامل مع المواطنين الأبرياء بحجة مكافحة الإرهاب .
  و في ظـل هذه الإخفاقات والأحداث التي مرت خلال السنوات الثلاث المنصرمة ، نتوقع ما يأتي :
1-  خسـارة الـولايـات المـتحـدة للـمزيـد مـن حلفائها المهمين وشركائها الأساسيين في احتلال العراق .
2-  المزيد مـن التدخـل الأمريكي في الشؤون الداخلية وعلى الأخص في تشكيل السلـطة التنفـيذيـة وعـرقلة برنامجها في الحكم مما سيوقعها في مأزق شديد خـصوصـاً وان السلـطة قد جـاءت  نتيـجة انتخابات حرة ونزيهة ،على الرغم مما شابها من بعض النواقص والانتهاكات.
3-  العـمل على عرقـلـة قيام فيدرالـية في الوسط والجنوب خصوصاً بعد إعلان إيران الرسـمي دخـولها للـنادي النـووي . والخـوف من قـيام تحـالفات جديدة تقلب المخطط الأمريكي رأساً على عقب ، بسبب عدم دقة معلومـاتها بشـأن شيـعة العـراق المـوالين لوطنهم أولاً وقبل أي شيء أخر .
4-  اضطرار الـولايات المتحدة إلى الانسحاب من العراق و تركه في حالة صـراع داخـلي وميدان خـصب لأعـمال الإرهابيين وقـاعـدة انطلاق لأعمالهم في الدول المجاورة .
5-  أذكاء حرب أهلية أو طائفية في أقـل تقدير لـمنع قيام مشـروع وطـني يوحد العراقيين للتخلص من الاحتلال و تقصير مدة بقائه .